منعطفات في التجارب والأزمات
تاريخ النشر: 16 شوال 1445هـ الموافق 25 أبريل 2024م
عدد الزيارات : 229
إنشر المقال :
تكلمنا في الحلقة السابقة عما يصيب بعض الناس من إحباط النفس وانكسارها تجاه ما قد يعترضهم من فتن وأزمات ومحن، وأحوالهم في دفعها، وهكذا موقفهم مما يصاب به أهل الإسلام وما ينزل بساحتهم من مدلهمات؛ حيث تخيب آمالهم، وتضيق صدورهم، وربما ضاقت بهم السبل، والواقع أن أحدهم لو نظر إلى ما أصيب به من مصائب أو مشكلات وأزمات نظرة شرعية وعقلية لوجد فيها منحًا وفوائد كثيره يعجز عن حصرها فضلًا عن شكرها، فما من محنة إلا وفي طياتها منح لمن أحسن التصرف معها وأعمل ذهنه فيها وفتح تفكيره وأطلق بصيرته في تدبرها.
إن التجارب والخبرات في الحياة لا تكتسب من حياة الدعة والترف والراحة والركود؛ فهذه تورث بلادة الحس، وتقتل التجديد والإبداع، وتغلق منافذ التفكير والتبصر، وتقطع عن التفكير؛ إذ لا يُعرف الأبطال والرجال، ولا تُكتسب الخبرات والتجارب، ولا تُصقل النفوس وتطيب الأخلاق ويصفو الفكر وتعالج أمراض النفس إلا بالمصائب والكوارث والأزمات؛ فـ"الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
كثيرًا ما نسمع الناس يقولون: "فلان عصرته الحياة بالمصائب والأحداث والأزمات والمشكلات التي مرّت عليه"، فهل ترغب أخي أن تكون ممن صنعته الأحداث والأزمات ففتحته على أبواب الخير، من البعد العقلي وسعة الأفق ورحابة الصدر ودقة الملاحظة وبعد النظر وقوة البصيرة، فأبقى رصيدًا حافلًا بالتجارب والخبرات؟!
إن أمر المؤمن كله خير، في السراء والضراء والراحة والتعب والفقر والغنى إذا تعامل معها التعامل الصحيح: "عجبًا لأمر المؤمن؛ أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له". رواه مسلم في صحيحه.
نحن بحاجة إلى قوة النفس ورحابة الصدر وقوة التحمل، بحاجة إلى نفسيات الأبطال وقلوب القادة الشجعان، في زمان استبدل كثير من الرجال بقلوبهم ونفسياتهم قلوب ونفسيات الأطفال، فيتأثرون من كل حركة، وتتغير أحوالهم بكل نسمة، تحتاج معهم إلى أن تكون على أهبة الملاحظة والاستعداد في تفكيرك وحركاتك وكلماتك ونظراتك حتى تسلم نفوسهم من الانكسار وقلوبهم من الانشطار.
إنني أرحم أناسًا أصبحت نفوسهم أرق من الماء، كل نسمة وهبة من الرياح تحركهم، فإذا جلست معهم يلزمك أن تعمل جميع حواسك في التعامل معهم، فتكدير الخاطر أسرع إلى أحدهم من شهيقه، والغضب أقرب إليه من زفيره، وسوء الظن أسرع إليه من انحدار الماء من صبب، تراقب نفسك معهم كالحافي في أرض شائكة، أو كجالس أمام ريشة صغيرة تتحرك في كل نسمة يخرجها وكل التفاتة يلتفتها.
فمثل هذه النفوس كيف يمكن أن تعمل أو تجاهد أو تواجه الصعاب والمحن؟! نسأل الله أن يرزقنا وإياهم نفوسًا كبارًا تترفع على حظوظ النفس وتتعلق بمعالي الأمور. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وبالله التوفيق.